قصة ملكة الجمال اللبنانية الأصــل * ســارة *
القصة التي لها أعظم الأثر على نفوس حتى غير الملتزمين
القصة مأخوذة من موقع الدكتور عمرو خالد
هذه قصة سارة كما حكتها بنفسها ولكن بلغتنا .... فقد كانت عربيتها رحمها الله بسيطة ... في محاولة أن نوصل لكلِّ الناس كيف كانت حياة سارة ... وكيف أنّها عاشت حياتها الحقيقية مع الإيمان لمدة 3 أسابيع فقط ... حتى اختارها الله سبحانه إلى جواره ... هذه هي القصة وندعو الله أن تصل لقلب كل من يريد العودة إلى طريق الله ... فالطريق مفتوح أمامه ... فهو طريق الحق ... العفوّ ... الرحمن ... سبحانه ....
هذه قصتي .. أنا سارة ... ولكن هل من متدبر ... هل من مدّكر؟
وتبدأ القصة :-
أتصور أنّ هذه آخر مرة قد أمسك فيها قلما لأكتب ... وأنا في هذا الركن الهادئ من المسجد .... والبداية من هناك .. من لبنان .. لم أعد أذكر عن طفولتي الكثير .. بيت جدي .. أهلي .. أقاربي .. في المدرسة أدخل حصة الدين مع المسلمين وفي البيت علّقت أمي صليبا كبيرا فوق فراشي .. كنت أعرف أنّي مسلمة ولكني لم أعرف لذلك معنىً .... حين وطئت أقدامنا نيوزلندا ... كنت سعيدةً جداً .. طفلة في العاشرة تجد نفسها تنطلق في ساحات رحبة .. جميلة .. متطورة. وبدأت بذور مراهقتي تنبت في أبهة الطبيعة .. واكتشفت أنّي جميلة .. بل فاتنة .. وتهافت الفتيان في المدرسة لمصادقتي .. والفوز برضائي .. كان جمالي سلاح بتّار حصلت به على كل ما أردت إلا الأسرة !!!... فقد انفصل أبي عن أمي .. ثم تزوج كلٌّ منهما ثم رحلا كليهما و تركاني وحيدة, وشعرت بغصّة لفَت روحي لفترة .. ولكني نفضتها عن نفسي وبدأت حياتي الحقيقة .. كان عليّ أن أعمل لأعول نفسي .. وكان جمالي مفتاح لكثير من الأعمال, والكلمات العربية القليلة التي أعرفها تعطيني دلالاً ونعومة تفتقدها الأستراليات .. ومن بين الشباب الذين حاموا حولي اخترته .. كان شابا وسيما يافعا, تصادقنا وعشنا معا .. كان رفيقي وحبيبي وصديقي, وشعرت معه بدفء المشاركة ووهج المغامرة. وذات ليلة وبينما أنا في عملي في أحد البارات .. اقترح عليّ أحد الزبائن أن أدخل مسابقة الجمال المحلية والتي كان واثقا من فوزي بتاجها .. وسرحت بخيالي لبعيد .. لو فزت سيؤهلني ذلك للمسابقة الوطنية ثم قد أحمل تاج الكون على رأسي .. من يدري؟ .. كانت فكرة مثيرة .. وكافأت الرجل بسخاء, جعله يزداد تأكدا أن هذا الجسد الجميل يستحقّ أن يتوّج على العالم عنوانا للأنوثة والحب.
ودخلت المسابقة وفزت فيها فعلاً ... وأصبحت أشهر فتاة في البلدة, وأصبحت كل أيامي ولياليَّ صاخبة .. يصحبني فيها كل الناس, فأظلّ أشرب وألهو وأتلذذ بكل متعة ممكنة أو غير ممكنة. شعرت أنّ الجميع يحسدونني على ما عندي وأنا عندي الكثير .. بل وينتظرني ما هو أكثر, وكان صديقي دائما معي ... وتنوعت الأعمال التي أقوم بها .. فلم أعُدْ فتاة البار فقط, بل نجحت في الحصول على عقد للإعلانات .. كما صرت فتاة الغلاف الأكثر إثارة .. وتفنن المصورون في إبراز مكنونات جمالي و تلاعبوا بأوضاع جسدي حتى تذهب صورتي بِلُبِّ من يراني ... وجرى المال في يداي بوفرة .. وأتاحت لي الشهرة التعرف على شخصيات كثيرة في هذا المجتمع .. ولأنهم قاموا بنشر تفصيلات كثيرة عن حياتي منها أنّ أصولي عربية من لبنان ... اتصلت بي أُسَرٌ أسترالية من أصل لبناني واحتفوا بي .. وكنت أجد في صحبتهم شيئا جميلا, بل ورائعا لا أجده في مكان آخر رغم أنّ البيوت والناس لا تختلف كثيرا عن الآخرين ... ربّما كان عبق الماضي ورائحة الوطن ... كانت الأسر بعضها مسلم والآخر مسيحي ... وأنا لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ... ولم يكن ذلك يمثل لي أي مأزق .. وكل أسرة تشعر أنّي منها, ربّما لأنّي مسلمة الاسم مسيحية الأم.
هل كان هذا اليوم حقيقيا .... أم أنّني تخيّلته .. كنت مدعوّة على العشاء لدى إحدى الأسر اللبنانية الصديقة .. أسرة مسلمة .. كنت أكرههم وأحبهم في آنٍ واحد .. كنت أختنق في بيتهم .. حيث لا أستطيع أن أصطحب صديقي .. ولكني كنت أرتاح بينهم راحة غريبة. وفي هذه الليلة نويت أن آكل وأنزل فورا لأعود لحبيبي, فقد وعدته بليلة من ليالي العمر ... وطلبت منه تجهيز كلّ شيء لحين عودتي ... وجلسنا إلى الطعام .. وهم يحدثونني عن لبنان وعن أهمية أن أتعلم العربية وأتابع أخبار الوطن ... وأنا لا أسمع, بل أبتسم في بلاهة جميلة .. وحتى يثبتوا وجهة نظرهم فتحوا التلفاز على الفضائية اللبنانية .. وتوالت التعليقات والضحكات وأنا أزفر غيظا ... وأحاول جرَّ عقارب الساعة لأرحل ... وكانت البرامج تجري أمامي على الشاشة, وأنا أنظر بلا أذن وأسمع بلا عقل .. ولكن صمتهم المفاجئ من حولي جعلني أنتبه للشاشة .. شاب يتحدث ... التفتُ إلى جارتي وسألتها, قالت هذا الداعية عمرو خالد يتكلم في الدين .. وفي رأسي سقطت الفكرة بسرعة .. أنا مالي ومال الدين .. وأيّ دين هذا؟ .. أنا أريد أن أنهي هذه الجلسة الفاترة لأنهل من البحر الدافئ .. ولكن الترجمة الإنجليزية للكلمات صفعتني، هذا الشاب يتحدث عن العفة .. العفة .. ما هذا؟ كلمة جديدة .. غريبة .. لها وقع شاذ على أذني ... ما الذي دفعني أن أُلَملِمَ ثيابي حولي وكأنّي عارية وهو يراني؟؟؟ لست أدري .. وجدت أنفاسي تتلاحق وقلبي تضطرب دقاته ... العفة .. معنىً لم أسمع به من قبل، ولكنّه جميل .. نظيف .. طاهر .. بريء .. وأنا لست كذلك .. أنا لست عفيفة .. بل أنا قذرة ملوثة. حاولت أن أنفض رأسي وأستأذن وأهرب, ولكن شيء ما سمّرَني في مقعدي .. شيء ما جعلني أستمع للنهاية .. وأبكي .. وأبكي .. ويعلو صوت بكائي .. ونحيبي, ولم أعد أشعر بشيء ولا بأحد .. أنا قذرة عاصية .. بلا دين ولا هوية .. أنا جسد ممتهن, لا عفة له ولا شرف, أنا سأحترق في النار .. لن ينفعني جمالي ولن يقبلني الله به .... الله .... لماذا لم أتذوق طعم الكلمة من قبل .. إنّ لها معاني عميقة قوية على اللسان وفي الأذن وعلى القلب. لم أعد أدري كيف وصلت إلى منزلي ولا من الذي كان هناك .. أنا أذكر فقط جلوسي أمام شاشة الكمبيوتر .. كنت قد التقطت عنوان موقع الداعية .. ودخلت إليه .. وظللت أحاول القراءة .. ولكن الحروف خانتني، فكتبت إليه - أخي الأكبر – أوّل رسالة في حياتي اسأل فيها عن الله؟ عن ديني؟.. عن ربي؟.. عن حياتي؟.. وبكل خجل اسأل هل من الممكن أن يتقبلني الله وأكون مسلمة؟ .. تصورت أنّه لن يرد !!!... فقد صارحته بكلمات قليلة بحقيقتي، وقلت في نفسي سيحتقرني ويتقزز منّي .... ولو وصلتني إجابة ستكون:- من فضلك لا تراسلينا ثانية. ولكنّه ردَّ عليّ وأكثر من ذلك .... أريد أن أجد ما أعبّر به، لقد قال لي إنّ الله ممكن أن يقبلني .. بل وممكن أن أفوز بالجنة وأصبح مسلمة طاهرة عفيفة .. وقال لي إنّ هذه ليست مجاملة من عنده, بل آية في القرآن ... معناها لا تقنطوا أو تيأسوا من رحمة الله .... وبكيت .. أصبحت دموعي هي سلاحي وتوبتي وندمي .. تمنّيت أن أظلّ أبكي حتى أغتسل وأتطهّر ... وأسمع هاتف السماء يقول لي قد قبلناك ... أصبح الكمبيوتر صديقي ورفيقي، ورسائلي إلى موقعك عوني وذخري .. وحين حصلت على رقم هاتفك كانت أوّل مرة في حياتي أسمع من يبدأني بالسلام عليكم ويحيّيني ويرحب بي ... لم أكن أعرف عن ديني كل هذه الرقة وحسن المعاملة .... أشعرتني زوجتك أنّي شخصية هامّة جدا, وأنّكما كنتما تنتظران مكالمتي .. أنا .. بعد كل ما كان مني .. وقبل أن تناولك زوجتك السماعة .... كانت كلّ جوارحي قد هدأت وانفكّ تلعثم لساني ...
ووصلتني أشرطة القرآن .. وظللت أسمعها وأسمعها وأترك صوت القارئ يصدع في زوايا روحي .. أغترف من هذا المنهل الذي لا ينضب، وتجتاحني السكينة والسعادة .... وبدأت أحفظ القرآن لأوّل مرة في حياتي ... وحفظتُ سورة النبأ مع الفاتحة لأصلّي بهما .. بدأت أصلّي وأصلّي وكأنّني أعوّض كلّ ما فات، وأدّخر لِمَا لن أناله في اليوم الآت .. كيف حرمني أهلي من كلّ ذلك .. كيف لم يشعروا هم أيضا بجمال لحظات السجود بين يدي الخالق .. وكأنّي تائهة أرتمي على أعتاب البيت ... أدقّ بابا أعرف أنّه سينفتح وسأجد داخله الأمان .. والعطاء .... نصيحتي إن كان لي أن أنصح رغم خبرتي القليلة لكلّ مسلم .. صلّي .. صلّوا ..... صدقوني ليس أرق ولا أبلغ من الصلاة مناجاة لله ....
هل أصِفُ نظرات الرعب من الزملاء والزميلات في الجامعة حين دخلت الفصل يَلُفُّنِي حجاب كبير وملابس فضفاضة .. لم يعرفني أحد في البداية ... ولكن شهقاتهم وتحلّقهم حولي جعلاني أراهم للمرة الأولى .. من هؤلاء؟ كيف كنت أحيا معهم؟؟ .... كانت عيونهم زجاجية فارغة .... وعلى الوجوه خليط من مشاعر أحلاها بغيض .. ما هذه المنافسة والمطاحنة المحمومة التي كنت أعيش فيها ؟؟!!... مساكين، بِلا إلـه يُعبَد ولا ملجأ يحتموا به .... وبدأتُ أحفظ سورة يوسف - النبي العفيف - وتحرقني دموعي بين السطور .... تدعوه سيدة البيت وتتوعده بالويل والثبور وعظائم الأمور وهو يفضل السجن على المعصية والحبس على الخيانة ... ما أجمل ربّي ... لا تضحكوا منّي ... إنّ الله جميل ... كريم .. وأنا أحببتُ الله من كلِّ قلبي, ولذلك أطعته .. يا ربِّ أردتُ أن أُعوِّضَ سِنِيْ عمري التائهة وأعمل لخدمة دينك وإعلاء كلمتك .. ولكن لن يكون إلا ما أردت ... وها أنا ذا اليوم الخميس في المسجد أصلّي وأدعو, فغداً سأستسلم لِيد جراح المخ والأعصاب ليزيل ورما سرطانيا بذر بذوره في رأسي ..
ربّي ... أحببت أنّ لي إلـها ... وأنّني لستُ هذا النبت الشيطاني الذي يحيا أقلّ من الحيوان, لأنّه حتى الحيوان يسير في خط حياته المرسوم .. حبيبي أنت يا ربّي .... قد كنت بعيدة بعيدة .. وما كنت أعرف أو أشعر بفداحة خسارتي ومدى بُعدي ... وحين تعرّفتُ إليكَ وجدتني لا ألوذ بِسِواك .. ولا اسأل سِواك, ولا أريد من كلّ هذه الدنيا إلا أن أجعل من حولي يعرفونك يا الله .... أريد أن يعرف الجميع حلاوة هذا الشعور بالقرب من الله ..... لقد جربت في حياتي كل أنواع اللذات الدنيوية التي يلهث ورائها الناس ... ولكنها كانت دائما موقوتة وتنتهي بشيءٍ لم أكن أعرف كنهه ... ولكنّه كان ضيقا أو قززا .... شيء كنت أعزوه إلى نهاية المتعة وفقدانها .. ولكنّي أعرف الآن أنّها شيء مختلف .. إنّها صرخة الفطرة بداخل كل إنسان يضطر أعضائه للمعصية .. ويمرغ روحه الكريمة في الوحل.
ربّي ... أشعر أنّني سأقابلك وأنا نائمة مستسلمة ليد الجراح .. ربّي أنا أعلم أنّك الغفور الرحيم .. وأعلم أنّ توبتي ودموعي غسلت ذنوبي وطهّرتني من خطاياي, ولكن ... هل تقبلني يا ربّ؟ ... هل تقبلني يا إلهي مع من تحب من عبادك؟ هل سأصل يوماً إلى أن ترضى عنّي .. أن تنظر إليّ .. أنا الذي نسيتك عمرا مديدا .. وتعلّقت بأعتابك أياماً قلائل ...
ربّي بين يديك أجلس .. ضيفة في بيتك .. ما أروع هذه الضيافة .. وما أتعسني إذا عِشتُ محرومة منها ... في المسجد لا ترى إلا ابتسامات واسعة ... مرحّبة .... وسؤال ومساعدة .... رغم أنّهم لا يعرفونني إلا أنّ الجميع أحاطني بحنان صادق حين سمعوا عن مرضي وعن إجرائي للجراحة, وشرعوا في الدعاء لأختهم المسلمة ...
الله ... نداء الجمال والجلال .. كيف كنت محرومة من كل ذلك؟؟!!... ما هذا الدفء والاطمئنان ... ربّي .. كنت أتمنّى أن يكون لي الكثير لأمنحه لأهلك, ولكن ليس عندي حلالا طيبا إلا مجموعة أشرطة قرآن وسلسلة من الأحاديث الدينية .... فتقبّلهم منّي يا ربّ .. وأنا أشهدك من هنا وأشهد ملائكتك وحملة عرشك أنّي تخليت عن كلِّ شيء رغبة إليك وحُبَّاً في دينك .. حُبَّـاً لك يا ربّي .. ربّي ... إذا قبضت روحي فاقبضني وأنت عني راضٍ .. وإذا أرسلتني فأعنّي على خدمة دينك .... وأسألكم جميعا الدعاء ....
نص الرسائل التي أرسلتها سارة للأستاذ عمرو خالد :-