لا تــمــثّـــل دور الــشــهـيــد
هناك من البشر أصناف تهوى تقمص دور البطل الشهيد ! .
فهم ـ حسب زعمهم ـ يعطون في زمن كثر فيه الغدر ، ويغفرون في واقعٍ غلب عليه القسوة ، ويصدقون على الرغم من أن الكذب هو العملة الرائجة المطلوبة ! .ويظلون يرددون على الآذان قائمة البطولات التي قاموا بها ، ويشكون قلة التكريم وانعدام التقدير .
وهؤلاء والله مساكين ، أعوزهم طريق البطولة ، فطافوا يتمسحون في ترابه البراق .
إن الأبطال حقا قومٌ يفعلون الخير في صمت ، فلا تعلم أطراف الشمال ، ما أنفقت أطراف اليمين ويهبون في جنح الليل لينثروا من جميل فضلهم قبل أن تراهم عين أو يشعر بهم أحد
أما مرتدي ثوب الشهادة دون أن يدفعوا تكاليفها ، فأناس مرضى لكنهم لا يعلمون .
أجلس إلى الواحد منهم فلا يحدثنى سوى عن قلبه الأبيض المرمر ، وذكائه الثاقب اللماح وينعي وجوده في زمن أغبر ، لا يعرف قيمة العظماء ، ولا يلتفت إلى العمالقة الأفذاذ .
وتالله إن اللسان لا يجري بمديح النفس والإفراد في محاسنها ،إلا من عيب فيها ، وضمور في طموح صاحبها ، وتقزم يواجهه أمام نجاحات الآخرين وإنجازاتهم .
ولأنه لا يستطيع الاعتراف بما فيه من عيوب وثلمات ، فإنه يجد أن الأيسر مؤنه هو تمثيل دور العبقري الذي جاء في الزمن الخطأ ! .
لذا أحببت أن أحذرك يا صديقي من أن تسول لك نفسك تقمص دور الشهيد ، أو أن تهفوا إلى سماع نغمة المديح وترديد كلمات الثناء والفضل .
فنحن ـ ثبتنا الله ـ قد جبلنا على حب المديح وتزكية النفس ، وإظهار محاسنها .
والأفضل والأليق بك أن تقتحم الحياة وتكون أحد أبطالها أو شهداءها الحقيقيين ، الذين يروون بعرقهم ودمعهم ، بل ودمهم إن تطلب الأمر شجرة عزتهم وكبريائهم ، دون ضجيج أو صراخ أو صخب
كن، لا يشغل بالك من صفق لك ممن سخر منك ، فبصرك النافذ يخترق حجب المستقبل ليستقر على هدفك وحلمك .
سر إلى هدفك في قوة .. وصمت ..
تتعثر فتنهض دون شكوى أو تذمر ..
تنجح وتعلوا دون صخب أو ضجيج ..
فهكذا عرفنا الأبطال .. والعظماء .. وأصحاب الرسالات الحقه.